الثلاثاء، 12 أبريل 2016

الملفات غير المعلنة في زيارة خادم الحرمين لمصر


في مهمة ديبلوماسية هي الأطول له خارج البلاد منذ توليه الحكم في السعودية، ينهي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز اليوم، زيارة لمصر استغرقت خمسة أيام، جرى خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات، بلغت وفق تصريحات مسؤولين مصريين، نحو 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم.

وقبل التعريج على الملفات غير المعلنة، التي نوقشت خلف الأبواب الموصدة، تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقيات المعلنة غلب عليها الطابع الاقتصادي، ضمن خطة المساعدات السعودية لمصر، سواء التي أعلن عنها في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي أو قبله، أبرزها إقامة جسر بري بين السعودية ومصر، وهو الملف الذي ظل يراوح مكانه عشرات السنين حتى أخذ اشارة الانطلاق أخيرا، وإقامة منتجع سياحي في منطقة رأس سدر بقيمة 700 مليون دولار، ومنطقة صناعية في محافظة الفيوم، واتفاقيات في مجالات الطاقة والكهرباء والبترول والسياحة والقوى العاملة والاستثمار، تصل تكلفتها مجتمعة إلى نحو 2.2 مليار دولار. وكذلك اتفاقية لتشجيع الاستثمارات السعودية في مصر، ضمن حزمة الاستثمارات التي أقرها خادم الحرمين بقيمة 3 مليارات دولار، إضافة إلى توفير الرياض لاحتياجات مصر من المنتجات النفطية لخمس سنوات مقبلة، واتفاقا لتنمية شبه جزيرة سيناء زراعيا وتعليميا وسكنيا بتكلفة تصل إلى 1.5 مليار دولار، وحديث عن إسقاط جزء من ديون مصر، وتحويل وديعة سعودية إلى البنك المركزي المصري، وغيرها من الاتفاقيات الرئيسية والفرعية الأخرى.

وقد شهدت زيارة الملك سلمان للقاهرة اهتماماً كبيراً من الجانب المصري الذي أعد برنامجاً حافلاً للزيارة لم تقف عن الجانب الرسمي، بل تعدت ذلك لتشمل كل الجوانب الأخرى، فصلى الملك سلمان صلاة الجمعة في الأزهر الشريف، وألقى خطابا أمام البرلمان المصري، وقام بزيارة عدد من المعالم الأثرية والإسلامية. ما أكد وفي شكل كبير عمق العلاقات، وتشعبها في أكثر من اتجاه ومجال.

ولكن بعيدا عن كل تلك الفعاليات الظاهرة والمعلنة والتي تناولتها الصحافية بالشرح والتفصيل الدقيقين، فمن المؤكد أن خادم الحرمين جاء إلى القاهرة يحمل ملفات أكثر أهمية و«مصيرية» من مجرد توقيع اتفاقيات اقتصادية، كان يمكن أن يقوم بها مسؤولون من البلدين على مستوى وزراء. ولا تخطئ بصيرة ولا بصر الراصد للواقع العربي عموما، والشق الآسيوي منه على وجه الخصوص، أن زيارة خادم الحرمين الشريفين كانت غنية بقضايا تناقش في جلسات سرية ولا يعلن عنها، كونها تتعلق بقضايا الأمن القومي، ولكن في زمن الإعلام المفتوح، وعلى الرغم من بقاء ما نوقش طي الكتمان، فإن من السهولة بمكان معرفة الخطوط العريضة لتلك الملفات، ولاسيما ما سيعقب الزيارة من سياسات تشرح ما تم الاتفاق عليه، ومن هذا المنطلق يمكن لنا أن نجمل ملفات الأبواب المغلقة بأربعة رئيسية:

أولا، الأزمة السورية: فلا شك أن الملف السوري يبقى الأهم على الإطلاق في السياسة السعودية، لما يمثله من بعد استراتيجي ومصيري، يتعلق بكبح جماع التمدد الطائفي في المنطقة، وهذا الملف سيكون مرتبطاً بالملفين التاليين له، ولكن لا بد من الإشارة الى بعض الخصوصية في الملف، نظراً للتطورات الأخيرة على الساحة السورية، فالمملكة ظلت تدعم خيار الشعب السوري بضرورة التغيير، وأعلنت في شكل واضح وقوفها إلى جانب الشعب السوري في مطلب تنحي النظام برأسه عن الحكم، وعملت من خلال المجموعة الدولية في هذا الإطار، كما قدمت الدعم العسكري للمعارضة المعتدلة التي تحارب النظام، ولكن دخول روسيا بثقلها إلى جانب النظام أعطاه أكسير الحياة، فعادت له قوته قليلا وبدأ مرحلة تعويم نفسه مجددا، وأخذ يسوّق لنفسه عربيا، ولاسيما في شمال أفريقيا، من تونس إلى الجزائر، وحتى المغرب، فيما يبدو هدفه المقبل مصر، نظراً لأن الموقف المصري من الأزمة ــ ونقصد به موقف النظام القائم حاليا ــ رمادي، فهو يصرح بأن الحل الوحيد للأزمة هو الحل السياسي، ويدعم خيارات الشعب السوري، ولكن هناك تسريبات بأن وفودا من نظام دمشق تزور القاهرة وتلتقي مسؤولين مصريين، قد تمهد لتغير في موقف القاهرة تجاه الأزمة السورية، وهو ما لا تريده السعودية، لذلك حضر الملف في زيارة الملك سلمان، وستسفر الأيام المقبلة عن حقيقة ما تم الاتفاق عليه.

ثانيا، الأزمة اليمنية، وهنا تبدو المواقف متطابقة تماماً، مع فارق واحد، هو عدم مشاركة القاهرة في التحالف العربي الذي تقوده السعودية لطرد الحوثيين من صنعاء وإعادة السلطة الشرعية للبلاد، وقد يعزز الموقف السعودي في مناقشة هذا الملف أن مجريات الأمور على الأرض في اليمن وصلت إلى مرحلة متقدمة لمصلحة السلطة الشرعية، وبالتالي سيكون الاتفاق، من وجهة نظري، على ما بعد الانتهاء من العمل العسكري، أو في أضعف الإيمان على ما يمكن ان تقدمه القاهرة للتحالف في الجزء الأخير من العمل العسكري، هذا إذا فشل الحوار اليمني الذي تستضيف الكويت في 18 ابريل الجاري.

ثالثا، إيران، بلا شك هذا الملف أكثر الملفات أهمية، لأنه يبدو عاملاً مشتركاً في الملفين السابقين ولايمكن ان ينفصل عنهما، فإيران لاعب أساسي في كل من سورية واليمن، كما أنها لاعب أساسي في العراق ولبنان، ولها أيادٍ خفية في السعودية والبحرين والكويت، ومن ثم يبدو ان التنسيق للوقوف في وجه هذا التمدد الإيراني يشكل الأولوية القصوى في السياسة السعودية، وأظنها تلتقي مع السياسة المصرية في ذلك، ولعل إنجاز التحول والتغيير في كل من سورية واليمن سيكون ضربة قاصمة لأهداف طهران في التوسع وبسط النفوذ، لذلك ستكون الملفات الثلاثة السابقة مرتبطة مع بعضها، وقد تفتح كلها معا على طاولة البحث، وما سيتم الاتفاق عليه سينسحب عليها جميعا.

رابعا، «الإخوان المسلمين» وتركيا، لعل مغادرة خادم الحرمين اليوم من القاهرة إلى تركيا مباشرة ـ كما أعلن من قبل ـ تحمل رسالة قوية إلى ارتباط زيارته بملف الخلاف المصري - التركي الذي تشكل قيادات «الإخوان» في مصر أساسه، فبعد سنتين من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، وصل المتابعون للشأن المصري إلى أن ما تشهده البلاد من أعمال تخريبية وإرهاب، لا علاقة لـ «الإخوان» به، مستندين إلى الخطاب الأخير للسيسي نفسه الذي أكد أن الميليشيا المسلحة التي تتخذ من سيناء مقراً لها كانت موجودة منذ كان هو رئيسا لجهاز الاستخبارات، وقد كانت تحت الرصد، وبالتالي فإن القول بتسهيل «الإخوان» لدخولها إلى الأراضي المصرية لم يعد له أساس.

وأما الخلاف السياسي ومحاولات «الإخوان» السيطرة على مفاصل الدولة بكل أركانها، فهذا أمر يمكن بحثه بعيداً عن أحكام الإعدام التي صدرت بحق الرئيس السابق محمد مرسي ومن دونه من قيادات الجماعة. هذا الأمر أعتقد، من وجهة نظري، أنه سيشهد انفراجة كبيرة تكون الزيارة سبباً رئيسياً فيها. ويبقى أن ننتظر الأيام القليلة المقبلة لنرى ما تشهده الساحات الميدانية للملفات التي ذكرناه من تطورات حتى نحكم على صواب تحليلنا أو خطئه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق